سر سائق تاكسي اليوم الواحد




ربما ستبدو هذه القصة أغرب من الخيال لأغلبكم ، ولإنه لا يعرف أحد عن أحداثها شئ سوى بعض الأصدقاء الذين شاركوني بعض تفاصيلها ، لذا ستكون معرفتكم بها إمتياز لكل قارئ لها .
تبدأ القصة التي وقعت أحداثها (حلوة وقعت أحداثها دي بتفكرني بالقصص التاريخية) ، بالعام الجامعي الأول لي ، بطلب طلبه مني صديق قبطي من أيام الدراسة الثانوية يدعى كريم ، وكريم هو نموذج رائع للشاب المصري المكافح ، ففي الوقت الذي كان المحترم فينا يحاول أن يوفر لأهله ، والمجتهد من يحاول أن يعمل صيفاً ليخفف الأعباء عنهم ، كان كريم يعمل أثناء الدراسة والصيف بدوان كامل ليصرف على والديه وإخوته ، وكنا دائماً نقدم له يد العون بكل السبل إحتراماً لكفاحه الذي كان مثار لإعجابنا جميعاً .
وهنا نعود لمجريات الأحداث حيث طلبني كريم في أحد الأيام لزيارته حيث يقطن بمنطقة الدخيلة أحد الأحياء الشعبية بمنطقة الأسكندرية ، وبعد إستقباله لي بحفاوة وقيامه بتقديم واجب الضيافة شعرت إنه محرج من مفاتحتي في شئ ما ، فبادرته بالسؤال الطبيعي طلباتك يا كيمو ، وهنا أخبرني كريم ، إنه أخيراً إستطاع أن يجد العمل المناسب لظروف دراسته ، خاصةً وإنه رغم ظروفه الصعبة إلا إنه تحصل على مجموع جيد بالثانوية العامة وإلتحق بكلية العلوم ، والعمل الذي تحصل عليه كريم سائق تاكسي حيث أخذ وردية على تاكسي أو كما يقول أنا البلد "طرف" على تاكسي ، وإنه لديه ظرف طارئ اليوم سيمنعه عن العمل وإنه متخوف من ضياع "المصلحة" ، خاصةً بعد أن وردته أخبار أن أحد السائقين يحوم حول المعلم صاحب التاكسي ويحاول إقناعه بإستبدال كريم به ، وأظن أن الظرف الذي كان عند كريم إنه مطلوب للشهادة ف الكنيسة لتطليق إبن عمه من زوجته سيئة السمعة أو شئ من هذا القبيل ، وإنه لا يستطيع أن يتخلف عن الموعد بأي حال فشهادته ستكون مهمة لقبول الكنيسة الطلاق لصعوبة هذا الإجراء كما نعرف كلنا .

وما هو المطلوب مني؟ كان هذا السؤال المنطقي الذي طرحته على كريم ، والإجابة البسيطة هي أن أحل محله على ورديته حتى يمر اليوم بسلام ، ولإنه لم يكن هناك مفراً لللإعتذار قبلت وقولت لنفسي "أهو يوم ويعدي " ، ورتبنا الأمور بيننا على أن أقابله لإستلام التاكسي بعد أن يستلمه من السائق المسئول عن الفترة الصباحية ، وفي اليوم الموعود تقابلنا وشرح لي كريم نظام تحصيل الأجرة بشكل تقريبي وطالبني بالإبتعاد عن المشاكل مع الزبائن حتى يمر اليوم بسلام ، وطالبني بالعمل بمنطقة شرق البلد ووسطها من ناحية حتى لا يراني أحد أعمل على التاكسي ويخبر المعلم ، ومن ناحية لأن العمل في هذه المناطق أكثر رواجاً في هذا الوقت من العام .

ومن هنا بدأت المغامرة وإنطلقت بالتاكسي لمنطقة الرمل بوسط البلد ، وأخذت أتجول به ومرت الدقائق وتحولت لساعة ولساعتين ولم يشير لي أحد ، وكأن كل من في الأسكندرية يعلمون إني لست بسائق تاكسي ، ويرفضون خوض المغامرة معي وبعد أن أضناني التعب ركنت بأحد الأماكن الفارغة ، وأخذت أفكر في الورطة التي ورطت نفسي بها ماذا أفعل الآن؟ ، ماذا سيظن كريم بي إذا عدت خالي الوفاض ؟ ، وفي وسط التخيلات المريعة التي تملكتني عن السيناريو القاتم الذي تورطت فيه ، شق صوت الأفكار المتداخلة في رأسي ، فاضي يا أسطى ، يا فرج الله ما ضاقت إلا أما فرجت ، "أه يا باشا على فين العزم إن شاء الله" كان هذا ردي بحماس ، وجاءني الرد "العصافرة إن شاء الله " -بالمناسبة أنا أيامها لم أكن دايس في إسكندرية قوي كنت حافظ العجمي شبر شبر بس- المهم رديت إركب ، فتح الراجل الباب (اللي كان لابس بدلة وشكله باشا باشا يعني ) وحط شنطة كان شايلها في الكنبة الورانية (أنا لو كنت أعرف الشنطة كان فيها إيه كنت خلعت) ، وقالي ثانية واحدة أجيب المدام ، وذهب الرجل للفندق الذي صادف إني كنت راكن عنده ، ورجع بالمدام واللي كانت رقاصة أيوة رقاصة مش راقصة ، حتة كدة بلدي من رقاصات التسعينات اللي كانوا مربربين كدة مش سمباتيك زي بتوع دلوقتي ، وجاية سخنة كدة من الفندق كانت بترقص في فرح يعني جاية بعرقها ، المهم قعدت في الكنبة الخلفية ، والراجل اللي كان اسمه "سمير" قعد جنبي ، المهم بدأت أسوق وقلت لسمير إنت عارف إحنا رايحين فين رد بالإيجاب قولتله خليك معايا ، وطول السكة عمال أبص في المرآة الداخلية على الرقاصة ، وطبعاً عشان معملش نفسي صايع هي حست على طول ، وعشان ألطف الجو رح راكن وقولتلها بصي يا مدام أنا كدة مش عارف أسوق يمين ولا شمال عشان أعرف أركز ، المهم عجبتها النكتة والحركة ضحكت وقالتلي ما أنا حاسة بيك ، شكلك دمك خفيف عامةً أنا مش مدام أنا مساح وتوكل على الله وربنا يحرس طريقك "والله الدمعة كانت حتفر من عيني من إيمانها " ، إتحركنا ودلني "سمير"  على الطريق لحد ما وصلنا للفرح وأنا داخل عشت الدور وكلاكسات بقى ، قالتلي سماح ده إنت مصيتني قولتلها أمال الشئ لزوم الشئ ، الغريب بقى إن "سمير" ولا بان عليه أي إنفعال من كل الملاغية دي واضح إنه محترف ، المهم المعازيم في الفرح تفاعلوا مع كلاكساتي وهما اللي زفونا "الرقاصة جت الرقاصة جت" حسيت إني في مظاهرة ، وأول ما دخلنا الفرح إستقبلنا أهل الفرح إستقبال الفاتحين راحت سماح تغير وتجهز لنمرتها ، وإحنا سلمونا من إيد لإيد لحد ما لقتني انا وسمير قاعدين على أجدع بوفيه وبيتعمل معانا أجدع واجب ، ما إحنا تبع الرقاصة ، خلص الفرح وطلعنا وبدأت سماح تاخد دفة الحديث وتقولي فاضي بقية اليوم يا أسطى ، قولتلها تحت أمرك فبدأ سمير يوجهني للفرح التالي ، وتقريباً حصل نفس اللي حصل في الفرح اللي فات ، بس الفرح ده عرفت إن الشنطة اللي مع سمير مليانة فلوس ، بيتلم فيها فلوس النقطة وبقية أجرة سماح ، ولحد النهاردة بسأل نفسي لو كنت عارف إن فيها فلوس كنت حاخدها أما سمير سابها في العربية في أول تعارفنا ولا لأ ، المهم رحنا كام فرح رحنا أربع أفراح ، كل فرح ناكل ولأن لحد لخظة كتابة هذه السطور عمري ما شربت أي حاجة غير المية الساقعة والبيبسي فمشربتش حاجة من الخيرات اللي كانت متوافرة في كل فرح ، وبعد الفرح الرابع اللي كان في المنتزة سماح قالت جبرت على كدة النهاردة مراويح على بحري ، وإتحركنا ووصلنا بحري في ربع ساعة الشوارع فضت الساعة وصلت لتلاتة الفجر ، وقبل ما نوصل لبيتها خلتني أركن عند سوبر ماركت ونزلت جابت العشا يعني فضلة خيركم أكل يكفي أسبوع ، واللي جابته لنفسها جابت منه لسمير ولية بصراحة كرم حاتمي ، كرم حاتمي إيه يا داهية ألا تكون مش حتدفع الأجرة رجعنا لنقطة الصفر تاني ، ولكن سريعاً ما تبددت مخاوفي الرقاصة حاسبتني على الكام ساعة دول ب400 جنيه غير الأكل وده كان مبلغ كبير جداً أياميها خصوصاً لو عرفتم إن طرف التاكسي بالبنزين مكملش 60 جنيه ، المهم خلصت وأخدت التاكسي وطلعت على كريم أسلمه التاكسي ، وأنا بسلمه التاكسي بسلمه الإيراد ، بصلي بإستغراب وقالي إيه ده كله ، حكيت اللي حصل بإيجاز ولأن كريم لو كان مسلم كان حيبقى سلفي ، فقد ثار بشدة ورفض أخذ الفلوس الحرام وبعد إلحاح أخذ مني طرف التاكسي عشان ميبقاش دفع من جيبه ، وأخذت الفلوس ولكن بعد ما صحيت تاني يوم حسيت إن كريم محق ووضعت الفلوس بأقرب جامع .

0 التعليقات:

أضف الموضوع لحسابك